بلفقيه محمد
محام بهيئة طنجة
يعتبر الإشعار للغير الحائز الوارد في المواد 100 الى 104 من مدونة تحصيل الديون العمومية من الإجراءات الفعالة في تحصيل الديون العمومية، لأنها آلية تتميز بالسرعة والمباغتة والبساطة إذ كان الهدف من سن هذا الإجراء هو تقليص الباقي استخلاصه الذي يعتبر إحدى معضلات التحصيل.
لكن هل ان عدم إدراج الإشعار للغير الحائز في ترتيب إجراءات التحصيل الجبري المنصوص عليها في المادة 39 يعني ان الإدارة لها مطلق الصلاحية في تنفيذه في أية مرحلة طالما ان الدين العمومي مستحق؟
إن الممارسة العملية لهذه المسطرة أثارت عدة إشكالات قضائية، حول مدى التقيد بالتراتبية والتدرج في إجراءات التحصيل الجبري، هل ان الإشعار للغير الحائز إجراء من إجراءات التحصيل الجبري؟ أم أنه إجراء استثنائي يمكن اللجوء إليه في أي وقت وحين دون التقيد بالتراتبية المنصوص عليها في المادة 39 من مدونة التحصيل؟ كما اثار عدة اشكالات حول الطبيعة القانونية للمنازعات التي يثريها هذا الإجراء، أهي منازعة استعجالية أم موضوعية؟
هذه الأسئلة وغيرها سأحاول تناولها ومناقشتها في ما يلي:
أولا: موقف القضاء من خضوع الإشعار للغير الحائز لمبدأ التدرج في اجراءات التحصيل
هل يمكن اعتبار عدم إدراج المشرع للإشعار للغير الحائز ضمن المادة 39 من مدونة التحصيل هو بمثابة ترخيص للمحاسب في مباشرة هذا الإجراء في اية مرحلة؟ أم انه مقيد باحترام الترابية على اعتبار ان الإشعار للغير الحائز اجراء تنفيذي جبري كما ورد في المادة 91 من نفس مدونة التحصيل المتعلقة بتحديد تعريفة اجراءات التحصيل التي اعتبرت هذا الإجراء إجراءا من إجراءات التحصيل الجبري.
إن الممارسة العملية لهذا الإجراء اثارت عدة منازعات كان للقضاء فيها عدة اتجاهات بخصوص اشكالية التزام الجهة المكلفة بالتحصيل وتقيدها باحترام الترابية، بدأ من ارسال آخر اسعار بدون صائر المنصوص عليه في المادة 36 تم الإنذار القانوني المنصوص عليه في المواد 40 الى 43 ام ان بإمكانها تبليغ الإشعار للغير الحائز مباشرة متى كان الدين مستحقا؟
إن المحاكم الإدارية بدرجتيها أكدت في عدد من الأحكام والقرارات على ضرورة تقيد القابض المكلف بالتحصيل باحترام مبدأ تدرج المتابعات طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 36 والمادة 39 من مدونة التحصيل، على اعتبار أن الإشعار للغير الحائز يدخل ضمن إجراءات التنفيذ الجبري التي تباشر ضد الملزم بالضريبة، ويعتبر بمثابة حجز تنفيذي، وبالتالي فإنه يكون معرضا للبطلان اذ لم يسبقه تبليغ الإنذار القانوني وفق الشكليات المتطلبة قانونا.
إذ جاء في حكم صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط[1] أن: « عدم احترام تدرج إجراءات التحصيل المنصوص عليها بالمادة 36 وما يليها من مدونة التحصيل يجعل الإشعار للغير الحائز الذي قام به القابض غير مرتكز على أساس قانوني سليم ».
كما ورد في حكم آخر صادر عن نفس المحكمة[2]: « لا يعتد بالإشعار للغير الحائز إلا بعد إشعار المدعية وتحقق علمها بالإجراءات المتخذة ضدها ».
وهو الموقف الذي سارت عليه محاكم الاستئناف الإدارية إذ جاء في قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط[3] » حيث ان المادة 39 من مدونة التحصيل جعلت الحجز كإجراء من إجراءات التحصيل الجبري لا يتم اللجوء إليه إلا بعد استنفاذ الإجراءات السابقة عنه من إشعار بدون صائر وإنذار قانوني، وانه يتعين على القابض المكلف بالتحصيل قبل ان ينتقل الى إيقاع الحجز على أموال الملزم احترام الإجراءات السابقة »
وهو نفس الموقف الذي تبنته محكمة النقض ( المجلس الأعلى سابقا[4]) التي اعتبرت في أحد قراراتها الإشعار للغير الحائز إجراءا من إجراءات التحصيل الجبري يقتضي قبل تطبيقه تبليغ المدين بآخر إشعار بدون صائر حيث جاء فيه: » لكن حيث ان المادة 36 من مدونة التحصيل تنص على أنه لا يمكن مباشرة التحصيل الجبري إلا بعد إرسال آخر إشعار بدون صائر، وان المستأنف لم يدل بما يفيد توجيهه لأي إنذار دون صائر أو الإنذار القانوني قبل مباشرة الإشعار للغير الحائز مما يجعل هذه المسطرة معيبة »
وفي قرار آخر[5] جاء فيه : « ومن جهة ثالثة فلما كان الإشعار للغير الحائز يترتب عنه حجز المبالغ الموجودة بحوزة الأغيار وتسليمها الفوري للحاجز، فإن العمل القضائي لهذه المحكمة قد استقر على ضرورة إخضاعه لتدرج المتابعات المنصوص عليه في المادة 39 المشار إليها أعلاه، والقرار الذي خلص إلى كون الإشعار للغير الحائز الممارس من طرف الطالب، دون أن يسبقه الإشعار بدون صائر ثم الإنذار هو إجراء باطل، يكون قد راعى مجمل ما ذكر، ولم يخرق أي مقتضى قانوني محتج بخرقه ».
غير ان محاكم آخرى ذهبت عكس ذلك، إذ جاء في أحد أحكامها[6] أن: « الشروط المسبقة للتحصيل الجبري ودرجاته المنصوص عليها في الفصول من 36 إلى 43 من مدونة تحصيل الديون العمومية أقرها المشرع لفائدة الملزم الأصلي ولا يمكن تطبيقها في ميدان الإشعار للغير الحائز الذي يرتكز على عنصر المباغتة من اجل استيفاء الدين العمومي ». وهو نفس الموقف الذي تبنته المحكمة الإدارية بأكادير[7] اذ اقرت بأن: « الشروط المسبقة للتحصيل الجبري ودرجاته المنصوص عليها في الفصول من 36 إلى 43 من مدونة تحصيل الديون العمومية أقرها المشرع لفائدة الملزم الأصلي ولا يمكن تطبيقها في ميدان الإشعار للغير الحائز الذي يرتكز على عنصر المباغتة من اجل استيفاء الدين العمومي ».
ثانيا: الطعن في الإشعار للغير الحائز بين القضاء الاستعجالي وقضاء الموضوع.
ان الاطلاع على مختلف الأحكام والقرارات القضائية الصادرة بخصوص المنازعة مسطرة الإشعار للغير الحائز اهي منازعة استعجالية ام تدخل ضمن اختصاصات قضاء الموضوع، يلاحظ الاختلاف البين لهذه الأحكام القضائية حسب كل حالة على حدة.
فالمحكمة الإدارية بالرباط وفي إطار القضاء الاستعجالي أمرت بمقتضى الأمر[8] عدد 580 بإيقاف إجراءات التحصيل المتمثلة في الإشعار للغير الحائز الواقع على حساب المدعية لدى البنك مع منح الطالبة مهلة ستة أشهر لتقديم دعوى في الموضوع بعد استيفاء مسطرة الطعن الإداري تحتسب ابتداء من تاريخ تبليغ هذا الأمر تحت طائلة مواصلة التنفيذ »
وفي أمر استعجالي[9] آخر أمرت المحكمة الإدارية في إطار القضاء الاستعجالي برفع اليد عن الحسابين البنكيين للمدعية لكن شريطة تقييد رهن من الدرجة الأولى على الرسم العقاري لفائدته في إطار مقتضيات المادتين 117 و118 من م.ت.د.ع. لما اعتبرت بأن القابض لا يرى مانعا في ضمان الدين برهن رسمي على عقار المدينة، فإنه لا يسع المحكمة إلا الأمر برفع الحجز المذكور بعد استيفاء تقييد الرهن لفائدة القابض ». وفي أمر استعجالي آخر صادر عن نفس المحكمة[10] اعتبرت أن إيقاف إجراءات التحصيل المتمثلة في الإشعار للغير الحائز ينعقد فيه الإختصاص للقضاء الإستعجالي للمحكمة الإدارية، وليس للقاضي المنتدب في مسطرة معالجة صعوبة المقاولة، وأن وجود منازعة جدية في الموضوع يبرر رفع الحجز المضروب على الحساب البنكي: حيث ورد فيه ان: « الإختصاص ينعقد للقاضي الإستعجالي للبت في طلب إيقاف إجراءات التنفيذ المتمثلة في الإشعار للغير الحائز دون التقيد بمقتضيات المادتين 117 و118 من المدونة. الحجز الواقع على حساب الطالبة لدى الصندوق الوطني للحبوب والقطاني، والحال أنها خاضعة لمسطرة التسوية القضائية، وعدم تصريح القابض بالدين داخل الأجل القانوني يجعل هذا الأخير مخاطبا بمقتضيات المادتين 653 و357 من م.ت. ويجعل مطالبته بالديون السابقة لفتح المسطرة غير مرتكزة على أساس، فيما يظل الإشعار للغير الحائز صحيحا بالنسبة للديون الناشئة بعد فتح المسطرة، ويعتبر هذا الإشعار ضمانة لاستخلاص تلك الديون إلى حين البت في دعوى الموضوع ».
كما اعتبرت محاكم أخرى ان اختصاص البت في طلبات إيقاف إجراءات التحصيل، لا يدخل ضمن اختصاص القاضي المنتدب لإندراجها ضمن اختصاص المحكمة الإدارية المعتبر رئيسها جزء من الإختصاص العام طبقا للمادة 8 من قانون المحاكم الإدارية. الإشعار للغير الحائز يعتبر من الإجراءات التنفيذية لتحصيل الديون العمومية طبقا للفصل 102 من م.ت.د.ع. التي يوقف إجراءاتها حكم مسطرة التصفية القضائية بالنسبة للديون الضريبية الناشئة قبله ويحظر السير في تنفيذها طبقا للفصل 653 من مدونة التجارة، خلو أوراق الملف مما يثبت استهلال مسطرة تحصيل الدين العمومي بأي إنذار يجعل المنازعة جدية حول مشروعية المسطرة وتدرجها مما يبرر الأمر بالإيقاف المطلوب ».
وبالرغم من إقرار نفس المحكمة بأن الإشعار للغير الحائز يعتبر إجراءا استثنائيا وطلبات رفعه تعد منازعة موضوعية، إلا أنها قبلت في أحد أوامرها طلب رفع هذا الحجز بعلة وجود منازعة أمام اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية وكون المدعي قدم ضمانة في الموضوع، جاء في أحد أوامرها[11] بهذا الخصوص: « بالرغم من أن الإشعار للغير الحائز يعتبر من إجراءات التحصيل الإستثنائية وطلبات رفعه تعد منازعة موضوعية، إلا أن الإجتهاد القضائي تواتر على الإقرار باختصاص قاضي المستعجلات للبت في طلب رفعه. كون الضرائب المطالب بها محل نزاع أمام اللجان الضريبية والمدعي قدم ضمانة للقابض في إطار المادة 117 عبارة عن عقد رهن للعقار ذي الرسم عدد… مما يجعل الإشعار للغير الحائز الموقع على حساب المدعي مجرد إجراء زائد ويخلق أوضاعا يصعب تداركها مما يتعين معه رفعه ».
وفي أمر مماثل صادر عن نفس المحكمة اعتبرت فيه أن: (تواتر الإجتهاد القضائي على اختصاص قاضي المستعجلات برفع الحجز المضروب في إطار المادتين 100 و104 من مدونة التحصيل كلما كانت المراكز القانونية للطلب واضحة، إما لانعدام علاقته بالدين العمومي أو لانقضاء الدين. إدلاء العارض بحكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به لم يتم استئنافه قضى بإلغاء الضريبة موضوع الحجز يجعل مركز المدعي تجاه تلك الضريبة واضحا واستمرار الحجز لتحصيلها يشكل خطرا على مركزه القانوني الواضح مما يتعين معه الأمر برفع الحجز المذكور في حدود المبالغ المتعلقة بتلك الضريبة[12].
ومتى كان الإشعار للغير الحائز يكتسي طابعا تعسفيا في حق المدين، كما في الحالة التي يتم فيها إيقاع هذا الحجز بعد تقييد رهن جبري على عقار المدين، فإن المحكمة تأمر برفع هذا الإشعار. جاء في أمر صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط[13] بهذا الخصوص: « قيام القابض بتقييد رهن جبري على عقار الطالبة، ثم انتقاله في مرحلة لاحقة إلى إجراء حجز على حسابها، يجعل الإجراء الأخير يكتسي طابعا تعسفيا من شأنه الإضرار بحقوق الطالبة طالما أن العقار موضوع الرهن يشكل ضمانة كافية لتأمين استخلاص الدين الضريبي حسب قيمته المحددة في الخبرة المنجزة والمضافة للملف، مما يتعين معه رفع الحجز المذكور ».
كما صدر عن نفس المحكمة في إطار القضاء الاستعجالي أمرا[14] قضى « برفع الإشعار للغير الحائز ورد فيه « إذا كان يجوز للدائن أن يجري حجزا تنفيذيا على أموال المدين لضمان استخلاص دينه، فإنه يشترط في الحجز المذكور أن يتعلق بدين مستحق في مواجهة المدين وأن ينصب على مال قابل للحجز وأن تحترم بشأنه جميع الإجراءات المتعلقة بالتحصيل وخصوصا مبدأ تدرج المتابعات وألا ينطوي على الإضرار بحقوق المدين وإرهاقه وأن يتم الحجز في حدود الدين المعني بالتحصيل ».
وهو نفس الموقف الذي سارت عليه محاكم الاستئناف الإدارية، إذ جاء في أحد قراراتها « لا شيء في القانون يمنع قاضي المستعجلات الإداري من حماية المراكز القانونية للأطراف إذا كانت واضحة وذلك بالتدخل لإرجاع الأمور إلى نصابها متى تحقق عنصر الإستعجال وكان من شأن هذا التدخل الحد من الخطر الذي يهدد الحق المراد حمايته، ما دام الإشعار للغير الحائز الذي يباشره القابض قد انصب على حساب بنكي لا يخص الملزم بصفة شخصية، وإنما انصب على ودائع زبنائه حسب الظاهر من الشهادة البنكية المدلى بها في الملف، فإن تدخل قاضي المستعجلات الإداري من أجل الحد من مفعول الإجراء المذكور له ما يبرره لدرء الخطر الذي يهدد الحق المراد حمايته المتمثل في ودائع الزبناء الذين لا علاقة لهم بالدين الضريبي الذي بوشر ذلك الإجراء بسببه »[15].
يتضح أن توجه القضاء الإداري بخصوص هذا الإجراء، يختلف حسب نوعية وطبيعة الحق المتنازع فيه ونوعية الدفوع المثارة بخصوص كل حالة على حدة، إذ تبين أن هناك اتجاها يعتبر أن اختصاص البت في الطعن في الإشعار للغير الحائز ينعقد للقضاء الإستعجالي اعتمد على توفر عنصر الجدية والاستعجال وعدم مساسها بجوهر النزاع[16]. مع ضرورة وضوح المراكز القانونية للأطراف كما في الحالة التي يبلغ فيها الملزم بهذا الإشعار من أجل دين سبق أداؤه، وأقام الدليل على ذلك، فدور القاضي الإستعجالي هنا يتمثل في معاينة إثبات هذا الأداء. أو الحالة التي ينصب فيها الحجز على راتب الملزم كاملا أو على جزء منه يفوق ما هو مسموح بحجزه قانونا، فالقاضي الإستعجالي في هذه الحالة ينحصر دوره في إعادة الحالة إلى ما كانت عليه دون أن يخوض في جوهر الحق، أي أنه هنا يكيف طلب رفع الإشعار لغير الحائز المرفوع إليه بإيقاف تنفيذ هذا الإجراء عندما تكون هناك حالة استعجال قصوى لا تحتمل الإنتظار فيما لو نظر في النزاع طبقا للإجراءات العادية[17].
أما توجه محكمة النقض -المجلس الاعلى سابقا- من خلال مجموعة من القرارات الصادرة عنها، فهي متأرجحة بين موقف يعتبر قاضي الأمور المستعجلة مختص بالنظر في طلبات رفع الإشعار للغير الحائز، وموقف يعتبر عكس ذلك.
ففي قرار صادر عن الغرفة الإدارية[ 18]
نجد أن محكمة النقض تعتبر أن البت في إيقاف مسطرة الإشعار للغير الحائز يعود اختصاص البت فيها إلى القضاء الإستعجالي للمحكمة الإدارية ولو تعلق الامر بشركة تخضع لمسطرة صعوبة المقاولة، جاء في بعض حيثيات هذا القرار: « وحيث إن من الثابت من الوثائق المدلى بها أن الخازن العام للمملكة بواسطة قابض الدار البيضاء المعاريف المستأنف عليه، أصدر الأمر بالحجز بناء على مقتضيات المواد من 100 إلى 104 من م.ت.د.ع. وهي من إجراءات الإستخلاص المخولة له ويبقى أي نزاع ينشأ بشأنها يرجع الإختصاص للنظر فيه للمحكمة الإدارية وبالتبعية لرئيسها في نطاق الإختصاص المخول لكل جهة منهما وان الذي يحدد الإختصاص النوعي بالبت في صحة الحجز المطلوب رفعه هو صدوره تنفيذا لنصوص مدونة ت.د.ع. وخاصة المادة 141 منها ». وفي قرار آخر[19] جاء فيه: « إن قاضي الأمور المستعجلة مختص للنظر في طلب رفع الحجز على ما للمدين لدى الغير (الإشعار للغير الحائز) باعتباره طلبا يكتسي طابع الإستعجال ولا يتعلق بالمنازعة في الموضوع، ويتمثل عنصر الإستعجال في الضرر الذي قد يلحق بالمحجوز عليه (المستأنف عليها) في حبس ماله بسبب منعه منه وعدم تمكينه من الإنتفاع به، أما عنصر عدم المساس بالموضوع فيتمثل في كون الدين المحجوز لا تتوفر فيه مبررات الحجز).
غير ان هناك اتجاه آخر اعتبر إن الإشعار للغير الحائز هو إجراء ذو طابع تنفيذي، لذلك فإن المنازعة فيه يقتضي من المحكمة فحص وتقييم هذا الإجراء للقول بمدى صحته أو بطلانه، وهو يجعل المنازعة فيه تدخل ضمن قضاء الموضوع لمساس هذا الإجراء بجوهر الحق.
إذ صدر عن رئيس المحكمة الإدارية بفاس أمرا قضائيا[20] ورد فيه: « لا ينعقد الاختصاص للقاضي الإستعجالي للنظر في طلب رفع التعرض المضروب على المبالغ المحجوزة بين يدي الغير، (الإشعار للغير الحائز) من طرف قابض الضرائب، والحالة أن المنازعة جدية في مبلغ الضريبة، إن الإستجابة لطلب رفع الحجز يعني ضمنيا إبطال مسطرته مما يستلزم على الطالب اللجوء إلى قضاء الموضوع. يتعين التصريح برفع النظر لعدم الاختصاص وإحالة الطالب على قضاء الموضوع وإرجاء البت في الصائر ».
كما صدر عن رئيس المحكمة الإدارية بمكناس حكما قضائيا[ 21 كرس نفس التوجه إذ اعتبر أن: « طلب رفع الحجز- الإشعار للغير الحائز- لا يعد إجراء وقتيا بل يكتسي طبيعة موضوعية لأنه يؤدي حتما إلى إبطال هذا الحجز من أساسه وهو امر موكول لقضاء الموضوع وحده، خصوصا وقد تأسس الطلب على دفوع تتعلق كلها بأساس الطلب أي بجوهره مما يجعل الطلب خارجا عن دائرة اختصاص قضاء الإستعجال وبالتالي رفع النظر لعدم الإختصاص ».
وهو نفس التوجه الذي سارت عليه محاكم الإستئناف الإدارية إذ جاء في قرار محكمة الإستئناف الإدارية[22]: « يعتبر الإشعار للغير الحائز إجراء من إجراءات التحصيل، وأن المطالبة برفعه تخرج عن نطاق قاضي المستعجلات الإداري لمساسه بجوهر الحق، لأن البت في الطلب يقتضي فحص الحجج وتقييمها للقول بمدى مطابقة هذا الإجراء للقانون ».
هذا الموقف اكدته الغرفة الإدارية بمحكمة النقض إذ في أحد قراراتها[23] : « يعتبر الحجز لدى الغير (الإشعار للغير الحائز) الذي أوقعه القابض إجراء من إجراءات التحصيل، وأن القول بعدم تطابقه مع القانون، يشكل منازعة موضوعية تمس بجوهر الحق الذي يخرج عن نطاق اختصاص قاضي المستعجلات، وأن الأمر المستأنف حينما اعتبر الحجز المذكور مخالفا للمادة 653 من مدونة التجارة وقضى برفعه على هذا الأساس، يكون قد تجاوز حدود اختصاص قاضي المستعجلات نظرا لمساسه بجوهر الحق، فيكون بذلك غير مصادف للصواب ويتعين إلغاؤه والتصريح من جديد بعدم اختصاص قاضي المستعجلات للبت في الطلب . وفي قرار آخر[24] أكد على نفس التوجه حينما اعتبر: « إن طلب رفع الإشعار للغير الحائز هو طلب يشكل منازعة موضوعية تقتضي النظر في مدى مشروعية إجراء التحصيل المتخذ من قبل القابض، وهو بذلك يخرج عن نطاق اختصاص قاضي المستعجلات لمساسه بجوهر الحق ».
خاتمة
ان التطبيق العملي لهذا الإجراء كشف عن عدة اشكالات، خاصة وأن صياغة المواد المنظمة لمسطرة الإشعار للغير الحائــــــــــز يكتنفها الكثير من الغــــــموض في كثير من الجوانب المرتبطة بها،، مما يفرض على المشرع التدخل من أجل إعادة صياغة وترتيب هذه النصوص بما يتوافق بين المشروعية القانونية وتحقيق الناجعة.
الهوامش
[1] ـ حكم رقم 2395 الصادر بتاريخ 10/11/2009، في الملف رقم 451/7/09، حكم غير منشور.
[2] ـ حكم رقم 2010 بتاريخ 02/06/2011 في الملف رقم 13/7/2011، حكم غير منشور.
[3] – القرار عدد 151 بتاريخ 04/04/2007 في الملف عدد 50/09/9 .
[4] – قرار المجلس الأعلى – الغرفة الإدارية- عدد 208 بتاريخ 08/03/2006 ( كتاب الإشعار للغير الحائز – خاصية التسليم الفوري بين القانون الفرنسي والمغربي) للدكتور زهير نعيم ص. 15
[5] ـ قرار رقم 259/1 الصادر بتاريخ 18/02/2016 في الملف عدد 2809/4/1/13، أورده ذ/ محمد بفقير في كتابه: » العمل القضائي للغرفة الإدارية بمحكمة النقض خلال سنة 2016 « ، منشورات دراسات قضائية، سلسلة العمل القضائي المغربي، العدد الثاني، الطبعة الاولى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء. ص: 217 – 220.
[6] ـ حكم رقم 154 بتاريخ 26/04/2007 في الملف عدد 271/2006 ش. حكم غير منشور
[7] ـ حكم رقم 154 بتاريخ 26/04/2007 في الملف عدد 271/2006 ش. حكم غير منشور
[8] ـ أمر رقم 580 بتاريخ 03/08/2005، في الملف رقم 397/05 س. حكم غير منشور.
[9] ـ أمر رقم 471 بتاريخ 25/03/2009 في الملف رقم 222/1/09، حكم غير منشور.
[10] ـ أمر رقم 468 بتاريخ 17/06/2013، في الملف رقم 435/1/2013، حكم غير منشور. كما حكم غير منشور. وهذا الأمر تم تأييده استئنافيا بمقتضى القرار 238 الصادر عن محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط بتاريخ 30/09/2013، في الملف رقم: 205/2/2013.
[11] – أمر رقم 146 بتاريخ 17/03/2010 في الملف رقم 75/01/2010، حكم غير منشور.
[12]- ـ أمر رقم 465 بتاريخ 02/06/2010، في الملف رقم 417/1/2010 حكم غير منشور
[13] ـ أمر رقم 710 بتاريخ 29/04/2011، في الملف رقم 630/1/2011، حكم غير منشور.
[14] ـ أمر رقم 500 بتاريخ 11/04/2012، في الملف رقم 233/1/2012، حكم غير منشور.
[15] ـ قرار عدد 231 بتاريخ 30/04/2007، في الملف رقم 3/07/2. منشور بموقع وزارة العدل والحريات www.justice.gov.ma
[16] ـ ينص الفصل 152 من ق.م.م. على ما يلي: (لا تبت الأوامر الاستعجالية إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمس بما يمكن أن يقضى به في الجوهر).
[17] ـ عبد المجيد الزلال مرجع سابق، ص. 227
ذ/ محمد قصري، المرجع السابق ص: 345.
[18] ـ القرار عدد 290 بتاريخ 25/04/2002، في الملف رقم 206/2002، أورده ذ/ محمد قصري في مرجعه السابق، الطبعة الثانية ص: 573-574.
[19] ـ القرار عدد 156 الصادر بتاريخ 13/03/2003 في الملف رقم 21/0/4/2/2002، أورده ذ/ محمد قصري، في مرجعه السابق، الطبعة الأولى ص: 412-415
[20] ـ أمر رقم 18 بتاريخ 14/02/2001 في الملف رقم 129/2000 س. حكم غير منشور.
[21] ـ أمر رقم 50 بتاريخ 27/02/2001، في الملف رقم 78/2000/1 س. حكم غير منشور.
[22] ـ قرار عدد 52 بتاريخ 12/02/2007، في الملف عدد 45/06/2، القرار منشور في موقع الخزينة العامة للمملكة. Intranet.tgr.gov.ma
[23] ـ القرار عدد 409 الصادر بتاريخ 15/05/2006 في الملف رقم 1441/4/2/2003 أورده ذ/ مصطفى التراب في مقاله: « مدى المقاربة والمفارقة بين الحجز لدى الغير والإشعار للغير الحائز » المشار إليه أعلاه ص: 346.
[24] ـ قرار عدد 532 الصادر بتاريخ 21/06/2006 في الملف رقم 258/4/2/2003، اورد ذ/ مصطفى التراب في نفس المرجع أعلاه ص: 346.