الدكتور محمد سعيد
تقديم:
يعتبر التعويض عن نزع الملكية المقابل المادي الذي تقدمه الإدارة النازعة من أجل نقل الملكية إليها، وعليه فعندما ننزع من شخص ملكيته نكون قد أضررنا به باسم المنفعة العامة، لكن متى منحناه تعويضا غير عادل سنكون قد أضررنا به مرتين[1].
وإذا كان المشرع فرض أداء تعويض مقابل نزع الملكية فهذا يؤدي مبدئيا إلى القول بأن التعويض يجب أن يغطي مجموع الضرر الذي لحق بالشخص المنزوع ملكيته، إلا أنه تفاديا لكل إنحراف في الموضوع نص المشرع على طبيعة ونوعية الضرر الواجب تعويضه[2]، (المطلب الثاني) وكذا اللجنة الإدارية التي تقيمه(المطلب الأول ).
الـمطلب الأول:اللجنة الإدارية للتقييم
من الإجراءات الإدارية الهامة التي نص عليها المشرع هناك الإجراء الخاص بتحديد التعويض الذي يعرض على المنزوعة ملكيتهم مقابل تخليهم عن الحقوق التي ستنزع ملكيتها خدمة للمنفعة العامة، ولكي تتم المحافظة على الأموال العامة من جهة، وحتى لا تهضم حقوق المنزوعة ملكيتهم من جهة أخرى-أوجب المشرع-وتطبيقا للفصل 42 من قانون نزع الملكية وللفصل7 من المرسوم التطبيقي الصادر بشأنه تحديد التعويض المذكور من طرف لجنة إدارية محايدة مكونة من ممثلي عدة إدارات ذات اختصاصات وظيفية مختلفة تتوفر فيهم أو من المفروض أن تتوفر لهم منفردين أو مجتمعين الحنكة والتجربة في مجال نزع الملكية والمعرفة الكافية بأوضاع سوق العقار[3].
لذلك سنعالج في هذا المطلب تأليف اللجنة وعملها ،وللآثار الذي قد عن ينتج عن عملها
الفقرة الأولى: تأليف اللجنة الإدارية وكيفية إشتغالها
لقد نص الفصل42 من قانون 81/7 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة على أنه:”إذا إتفق نازع الملكية و المنزوعة ملكيته على الثمن الذي حددته اللجنة بعد نشر مقرر التخلي[4]…”
والملاحظ أن المشرع في هذا الفصل لم يشر إلى كيفية تأليف هذه اللجنة فترك ذلك للمرسوم التطبيقي المؤرخ في 16 أبريل 1983 الصادر بتنفيذ قانون81/7.
أولا: تأليف لجنة التقييم[5].
لقد تكفل الفصل 7 من المرسوم التطبيقي لقانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت رقم81/7 بتحديد أعضاء اللجنة المكلفة باقتراح التعويضات عن نزع ملكية العقارات أو الحقوق العينية المنزوعة ملكيتها[6].
وهذه اللجنة تتكون من أعضاء دائمين وآخرين غير دائمين:
1:الأعضاء الدائمين:
ويتمثلون في :
* السلطة الإدارية المحلية أو ممثلها بصفتها رئيس اللجنة، وتتمثل أهمية منح صفة رئيس لهذه السلطة في الدور الذي تقوم به على الصعيد المحلي إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا، علاوة على الدور المخول لها إزاء رؤساء المصالح الخارجية، الشيء الذي يمكنها من إستدعائهم لحضور أشغال اللجنة[7].
* رئيس دائرة الأملاك المخزنية(أملاك الدولة الخاص حاليا) أو منتدبه: نظرا لخبرة هذا المسؤول في موضوع التقويم، فإن حضوره في اللجنة الإدارية للتقويم له أهمية بالغة خصوصا وأنه يقوم أكثر من غيره بعمليات الإقتناء سواء بالتراضي أو عن طريق نزع الملكية.
* قابض التسجيل أو التمبر أو منتدبه: كما هو معلوم، فإن هذا المسؤول يتلقى وثائق مختلفة تتعلق بإبرام تصرفات قانونية تنصب على أموال عقارية، الشيء الذي يمكنه من الاضطلاع بإستمرار على الأثمنة وتقديم عناصر المقارنة[8].
* ممثل نازع الملكية أو الإدارة التي تتابع مسطرة نزع الملكية لفائدتها[9]:إن حضور ممثل نازع الملكية تظهر أهميته في أنه يستطيع إبداء ملاحظاته حول مبلغ التعويض وكذا حول رقعة المشروع كما لو كان يرغب في حذف مساحة معينة [10]،كما أنه يتمكن من الإضطلاع على المبلغ المحدد لأن هذا المبلغ سيكون موضوع محاسبة على صعيد الجهة التي يمثلها.
2: الأعضاء غير الدائمين
إضافة إلى الأعضاء الدائمين الذين تتكون منهم اللجنة هناك أعضاء غير دائمين وهم بحسب طبيعة العقار:
* مفتش الضرائب الحضرية أو منتدبه، وكذا مفتش التعمير أو منتدبه، وذلك إذا تعلق الأمر بأراضي حضرية مبنية أو غير مبنية، فحضور الأول له أهمية خاصة، نظرا لخبرته وإضطلاعه على قيمة العقارات ،كما أن حضور مفتش التعمير يمكنه من إبداء ملاحظاته حول مدى تطابق وثائق التعمير مع المشروع المزمع القيام به، وكذا التأكد من وجود إرتفاقات تثقل العقارات موضوع نزع الملكية.
* مفتش الضرائب أو منتدبه “والمدير الإقليمي لوزارة الفلاحة أو منتدبه إذا تعلق الأمر بأراض قروية،فيما يتولى مندوب أملاك الدولة الخاصة أعمال الكتابة[11].
يستخلص مما سبق أن السلطة التنظيمية راعت تركيبة هذه اللجنة بتنوع المتدخلين وخبرتهم في مجال الخبرة الإدارية ولا سيما بالنسبة لممثلي وزارة المالية (مدير أملاك الدولة الخاصة وإدارة التسجيل والتمبر ومفتش الضرائب) وكذا ممثل وزارة الفلاحة.
إلا أنه لم تكن موفقة في عدم إعتبار ممثل الجماعة المحلية ضمن الأعضاء الدائمين،خاصة وأن الديمقراطية المحلية تفرض إشراك ممثل السكان في جميع القرارات التي تهم الجماعة المعنية[12].
ثانيا:كيفية اشتغال اللجنة الإدارية للتقييم
تنحصر مهمة اللجنة الإدارية للتقييم كما هو واضح من تسميتها في وضع تقويم تقريبي للعقارات محل نزع الملكية لأجل المنفعة العامة أو الحقوق العينية الواردة عليها، وتجتمع اللجنة المشار إليها في المرسوم التطبيقي لــ 16 أبريل 1983 بطلب من نازع الملكية.
أما من الناحية العملية فيخرج أعضاء هذه اللجنة إلى عين المكان لمعاينة العقار المعني بأمر نزع الملكية لأجل المنفعة العامة والوقوف على حقيقته[13]، غير أن ما يظهر على النص المشار إليه أعلاه أنه لم يبين كيفية العمل داخل اللجنة وخاصة فيما يتعلق بالوقت الذي يجب أن يعتمد أثناء التقويم وكذا النصاب القانوني اللازم لصحة الاجتماع، وما إذا كانت نتائج أشغالها تفرض على نازع الملكية أم يمكنه رفضها[14].
فبخصوص الوقت الذي يجب اعتماده من طرف اللجنة الإدارية لتقويم العقار موضوع نزع الملكية،فإنها تبدأ أشغالها بعد نشر مقرر التخلي إذ لا يمكن لهذه اللجنة أن تجتمع قبل هذا التاريخ[15].
وتتكلف اللجنة الإدارية للتقويم بمهمة تحديد الثمن التقريبي للعقارات أو الحقوق العينية المنزوعة ملكيتها، ويجري العمل على أن يخرج أعضاء اللجنة إلى عين المكان لمعاينة العقارات أو الحقوق العينية المراد تقييمها والوقوف على طبيعتها ونوعها وخصائصها ومحتواها وحالتها الراهنة، مستعينين في ذلك بكافة المعطيات التي يتم جمعها مسبقا من مصادر مختلفة سواء بالاعتماد على معطيات حقيقية أو عناصر مقاربة[16]، وفيما بعد تعقد اللجنة اجتماعا من أجل تحديد قيمة العقار وإعطاء اقتراحها، وعند انتهاء عملها تقوم بتحرير محضر التقييم.
غير أن ما يلفت الانتباه بخصوص هذه اللجنة أن هناك اختلاف بين مجموعة من الآراء حول مدى كونها مجرد هيئة إستشارية أم لا، فالرأي الأول يرى بأن هذه اللجنة ما هي إلا هيئة إستشارية تعمل عملا تقدمه لطالب نزع الملكية، وهو عمل إداري وتحضيري، وهناك رأي ثان يذهب عكس ما ذهب إليه الرأي الأول بأن هذه اللجنة ليست بهيئة إستشارية تمارس عملا إداريا لصالح نازع الملكية مادام اللجوء إليها يعد إلزاميا وليست بمسطرة إختيارية من شأن نازع الملكية الإستغناء عنها أو عدم الأخذ بنتائجها ،بل إنها مسطرة إجبارية يتوقف عليها إستمرار نازع الملكية في عمله.
وفي رأينا نحن نذهب مع ما ذهب إليه أصحاب الرأي الثاني على أنه لا يمكن إعتبار هذه اللجنة هيئة إستشارية ولجوء نازع الملكية إليها أمر ضروري لتقويم العقار.
إلا أن ما يمكن ملاحظته وكما أشرنا إليه أعلاه فإن الفصل السابع من المرسوم التطبيقي لم يوضح بشكل دقيق عمل هذه اللجنة، مما ترك نوعا من اللبس في طريقة إشتغالها.
فالمشرع لم يشر إلى استدعاء الأطراف المعنيين بأمر نزع الملكية لحضور عملية التقويم أو الإستماع إلى أرائهم على الأقل ،مع العلم أن تلك الآراء قد تساعد كثيرا في الوصول إلى تعويضات عادلة[17].
وعلى عكس ذلك ذهب المرسوم الكويتي في شأن نظام العمل بلجنة تثمين العقارات المنزوعة ملكيتها للمنفعة العامة المؤرخ في 19 أكتوبر 1976 الذي حدد مسطرة إجتماع اللجنة وطريقة عملها وطبيعة مداولاتها والنصاب القانوني لإجتماعها[18].
لذلك فإن الضرورة تستدعي تعديل الفصل السابع من المرسوم التطبيقي لقانون نزع الملكية السالف الذكر،وذلك بتحديد طريقة إشتغالها بشكل واضح، وتحديد الأجل القانوني لإستدعاء اللجنة، وكذا إضافة أعضاء لهم دراية كافية بسوق وأسعار العقار كالمحافظ على الأملاك العقارية.
الفقرة الثانية: آثار عمل اللجنة الإدارية للتقويم
بعدما تنتهي اللجنة الإدارية من تحرير محضر التقييم وموافقة إدارة الأملاك المخزنية(ملك الدولة الخاص) على التعويض المقترح، تطبق مقتضيات الفصل42 من قانون نزع الملكية[19]،وهكذا فإن من حق الإدارة بعد سلوكها لمسطرة نرع الملكية، وقبل أن تلجأ إلى القضاء أو أثناء رفع دعوى نقل الملكية وقبل صدور حكم نهائي بذلك[20]، أن تحاول إبرام محضر الإتفاق بالتراض مع المراد نزع ملكيته، وذلك في إطار الفصل42 المشار إليه، ولا يخلو الأمر عندئذ من إحتمالين:
فإما أن يتم إبرام الإتفاق بالمراضاة مع المنزوعة ملكيته،أو أن هذا الأخير يرفض التعويض المقترح عليه من طرف الإدارة[21].
ا ولا:الإتفاق بالمراضاة
يعتبر بعض الفقه أن الإتفاق بالمراضاة على التعويض يختزل المرحلة القضائية ويضع نهاية مسطرة نزع الملكية وتنتج عنه جميع الآثار التي تترتب عن الحكم بنزع الملكية الذي يصدره قاضي الموضوع.
وعموما فإن المشرع المغربي من خلال قانون 81/7 إحتفظ بمسطرة الإتفاق بالمراضاة،نظرا لما قد تستغرقه المرحلة القضائية من وقت قد يضر بكلا الطرفين أو أحدهما، إذ قد يحسم النزاع بدون إنتظار ما ستسفر عنه تلك المرحلة وفي حالة الإتفاق بالمراضاة يجب [22]التمييز بين ما إذا كان المنزوعة ملكيته مقيما في المكان الكائن به موقع العقار المنزوعة ملكيته أو خارجه.
1: المالك يقيم في المكان الكائن به موقع العقار المنزوعة ملكيته
يستدعى المعنيون بالأمر إلى مقر السلطة المحلية وبإيعاز من السلطة النازعة للملكية، قصد الدخول في مفاوضات قانونية تهدف إلى إقتناء العقارات موضوع نزع الملكية بصفة ودية، فالسلطة المحلية تشرف على إجراءات التوقيع على محضر الإتفاق بالمراضاة الذي يتم إعداد مشروعه من طرف رئيس دائرة الأملاك المخزنية [23]في أربع نظائر[24] وفق النموذج22، ويقوم هذا الأخير بتوجيهها إلى الإدارة المركزية قصد تمكينه من القيام بالإلتزام بالنفقة الذي يقدم إقتراحا بشأنه،وبمجرد التأشير على المقترح المذكور من طرف مراقب الإلتزام بنفقات الدولة، يعمل رئيس دائرة الأملاك المخزنية على تسجيل محضر الإتفاق بالمراضاة ،ويهيئ ملفا بأداء التعويض عن نزع الملكية في أقرب الآجال بعد قيامه بإنجاز الإجراءت اللازمة لدى المحافظة على الأملاك العقارية، بحسب الوضعية القانونية للعقار ليسلم في النهاية محضر الإتفاق بالمراضاة للمالكين المعنيين بالأمر[25].
2: المالك يقيم خارج مكان موقع العقار المنزوعة ملكيته
ينص الفصل42 من القانون رقم81/7 على أنه في حالة إذا كان المالك لا يقيم في مكان موقع العقار المنزوعة ملكيته، يضمن الإتفاق بالمراضاة بشأن التفويت النهائي أو الحيازة في عقد عرفي أو موثق لقواعد القانون الخاص.
والذي يتم في الواقع العملي ،فإن الإتفاق يبرم بصفة عامة في شكل عقد عرفي يحرر من طرف دائرة الأملاك المخزنية.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن العقود الرسمية والعرفية المنصوص عليها في الفصل42 من القانون81/7 شأنها شأن محاضر الإتفاق بالمراضاة، معفاة من الرسوم وإجراء التمبر[26].
وبمجرد إمضاء جميع نظائر العقد من طرف المالك وتصحيح الإمضاء يقوم رئيس دائرة الأملاك المخزنية بما يلي[27]:
* توجيه الوثائق المذكورة إلى الإدارة المركزية(مصلحة نزع الملكية) من أجل الإلتزام بالنفقة والتوقيع من طرف مدير الأملاك المخزنية ،أو من ينوب عنه.
* إخبار السلطة الإدارية المحلية والتي يوجد العقار المنزوعة ملكيته بدائرة نفوذها بالإتفاق المنجز بمجرد ما يصبح العقد تاما من حيث الشكل.
* تقييد العقد بكناش المحتويات، وإيداعه بالمحافظة على الأملاك العقارية، وعند الإقتضاء بالمحكمة الإدارية ، وتكوين ملف أداء أو إيداع التعويض عن نزع الملكية[28].
وكملاحظة مهمة حول مسألة الإتفاق بالمراضاة، يمكن القول بإمكانية إستبعاد الإتفاق بالمراضاة من طرف القضاء متى كانت هناك أسباب مقبولة قانونا، ويتجلى ذلك جليا من خلال قرار المجلس الأعلى[29]، الذي جاء فيه “ليس من حق المنزوعة ملكيته التنصل من تنفيذ مقتضيات الإتفاق بالمراضاة طالما أنه ليس هناك منازعة جدية في مضمونه خاصة وأن المعني بالأمر لم يبين وجه الخرق المتمسك به في محضر التراضي…إن المحكمة الإدارية لما إستبعد ت محضر الإتفاق بالتراضي المذكور ورفضت إجراء خبرة لتحديد التعويض على الرغم من إنتفاء المنازعة الجدية لم تجعل لما قضت به أساس قانوني…”
إذن وبمفهوم المخالفة لهذا الحكم يظهر أن القضاء الإداري بإمكانه إلغاء وإستبعاد محضر الإتفاق بالتراضي متى ظهرت الأسباب الموجبة لذلك وتمسك بها المعني بالأمر.
ثانيا: عدم إبرام الإتفاق بالمراضاة
من النتائج البديهية التي قد تنتج عن سلوك مسطرة الإتفاق بالمراضاة هي إما إبرام إتفاق بتراض بين المنزوعة ملكيته ونازع الملكية حول التعويض المقدر للعقار موضوع نزع الملكية ،أو عدم إبرام ذلك الإتفاق.
لكن قد يستغني نازع الملكية عن سلوك هذه المسطرة بالمرة بعدما كان المشرع في ظل ظهير 31 غشت 1914[30] وكذا ظهير 3 أبريل 1951[31] يلزم الإدارة بضرورة القيام بمحاولة إقتناء العقار عن طريق المرضاة،فما الأمر إذن في كلا الحالتين؟
ا:رفض التعويض المقترح أثناء مسطرة الاتفاق بالمراضاة
إذا ما رفض المنزوعة ملكيته التعويض المقترح عليه، وبالتالي الإتفاق بالتراضي حول التفويت النهائي للعقار موضوع نزع الملكية،فإن نازع الملكية يحاول ما أمكن أن يحصل على موافقة المعنيين بالأمر على حيازة الإدارة نازعة الملكية للعقارات المراد نزعها[32]، لكن في المقابل يسلم تعويض إحتياطي يساوي عروض الإدارة، وإلا فإن هذه الأخيرة تضطر إلى اللجوء للمحكمة الإدارية التي يقع العقار المنزوعة ملكيته في دائرة نفوذها من أجل تقديم طلبين أحدهما تلتمس فيه الإذن لها بالحيازة، والثاني تطلب من خلاله الحكم لفائدتها بنقل ملكية العقار المذكور مقابل التعويض المحدد من طرف اللجنة الإدارية[33].
ب: إستبعاد اللجوء إلى مسطرة الإتفاق بالمراضاة
كما سلف وأن قلنا دلك سابقا فإن المشرع المغربي من خلال ظهير 31 غشت1914 وظهير 3 أبريل1951 كان يلزم نازع الملكية بضرورة اللجوء إلى محاولة إبرام الإتفاق بالتراضي، وإلا كان إستغناء الإدارة عن هذا الإجراء سببا من أسباب تغييب المسطرة الإدارية لنزع الملكية، وبالتالي قد يتمسك الطرف الأخر أمام القضاء قصد رفض نزع الملكية.
أما في ظل القانون الجديد الخاص بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والإحتلال المؤقت،فإن المشرع المغربي لم ينص على ضرورة سلوك مسطرة محاولة الإتفاق بالتراضي، إد تبقى السلطة التقديرية للإدارة التي قد تباشره متى تيقنت من جدواه.
ويمكنها الإستغناء عنه متى ظهر لها عدم الفائدة من سلوك تلك المسطرة[34] وبالتالي فإن عدم سلوك هذا الإجراء الإداري لا يعيب مسطرة نزع الملكية ، ولا يمكن التمسك به من طرف المعنيين بالأمر أمام القضاء.
المطلب الثاني: نوعية الضرر وخصائص التعويض
إن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة يرتب مسؤولية الإدارة التي قامت بذلك وهذه المسؤولية ليست نظاما جزافيا أو إنتقاميا أو غرامة،بل هي وسيلة للتعويض عن الضرر الحاصل مباشرة عن النشاط الإداري، وهو أمر يشترط بالإضافة إلى الضرر وجود علاقة سببية بين الفعل والضرر[35].إذ أن الإدارة التي تقوم بنزع ملكية ما عادة ما تحدث ضررا للطرف المنزوعة ملكيته، هذا الضرر يستوجب تعويضا يجبره.
لذلك فإن القاضي الإداري يتقيد بمجموعة من القواعد عند نظره في التعويض اللازم عن نزع الملكية، وذلك طبقا لما تضمنه الفصل20 من قانون81/7 سواء فيما يتعلق بمواصفات الضرر الواجب التعويض عنه(الفرع الأول) أو فيما يتعلق بالخصائص المستوجبة في دفع التعويض(الفرع الثاني).
الفقرة الأولى:الضرر الواجب التعويض عنه
لقد أوجب المشرع في الضرر الذي يمكن أن يعوض عنه، أن يكون حالا ومحققا، كما إشترط فيه أن يكون مباشرا عن نزع الملكية.
اولا: كون الضرر حالا ومحققا
يشترط في الضرر الواجب التعويض عنه أن يكون حالا ومحققا، وقد إستثنى المشرع من التعويض الضرر غير المحقق أو المحتمل،لأن هذا الأخير ينقصه اليقين في وقوعه، فهو مفترض نظرا لتبعيته لواقعة يمكن أن لا تحدث[36].
فالمشرع المغربي أكد على هذه القاعدة حفاظا على الأموال العامة بالرغم من إستقرارها في التشريع والقضاء و الفقه، أي أنها من المبادئ العامة الواجبة التطبيق ولو بدون نص صريح يفرضها، وفي هذا الصدد قررت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى على أنه لا يجوز للقاضي أن يقدر التعويض إلا على أساس الإستعمال الفعلي وليس على أساس لإستعمالها المحتمل[37]، كما أقر المجلس الأعلى أيضا في قرار شهير له بتاريخ فاتح يوليوز 1958 أن الضرر الذي يمكن لمن نزعت منه الملكية للمنفعة العامة أن يطالب به هو المبني على العناصر الناتجة عن الإستعمال الحالي والمقرر للأرض المنزوعة ملكيتها، فلا يحق للمالك أن يطلب تعويضه على أرضه التي تستعمل للفلاحة بالتمسك بأنها ستخصص للبناء، فالقيمة التي يجب أن يؤسس عليها التعويض هي القيمة الفعلية للعقار[38].
وإذا كان المشرع المغربي وكذلك القضاء الإداري الذي أوكلت له مهمة النظر في دعاوى التعويض المتعلق بنزع الملكية قد وفقا إلى حد ما باعتبار الضرر الواجب التعويض عنه هو الضرر الحالي أي المحقق والغير محتمل ، فماذا عن الضرر المستقبل.
لقد أخذ المشرع المغربي،عن نظيره الفرنسي، وصف ضرورة كون الضرر حاليا ومحققا، إلا أن هذا الأخير وبعد الإنتقادات التي وجهت له عدل عنه بصدور قانون 23 أكتوبر1958 في شأن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، إذ تم حذف إشتراط كون الضرر حاليا.
والضرر الحالي لا يمكن إلا أن يكون ضررا محققا، إلا أنه يظهر أن المشرع قصد بتعبيره الضرر الحالي تنحية التعويض عن الضرر المستقبل رغم أن هذا الأخير قد يكون محقق وبالتالي يجب التعويض عنه[39].
ففقهاء القانون المدني يميزون بين الضرر المستقبل والضرر المحتمل ،إذ الضرر المستقبل محقق الوقوع لذلك يجب التعويض عنه، أما الضرر المحتمل قد يقع أو لا يقع بمعنى أنه غير محقق الوقوع وعليه فالضرر المستقبل يقبل التعويض من وجه أحكام القانون المدني وهو لا يقبل من وجهة القانون المتعلق بنزع الملكية[40].
فالملاحظ إذن هو أن القانون المتعلق بنزع الملكية ،يقر من خلال الفصل20 منه بضرورة التعويض عن الضرر الحالي والمحقق وهو ما سار عليه القضاء الإداري من خلال مجموعة من الأحكام الصادرة بهذا الشأن، إلا أنه وبالرغم من ذلك فإن بوادر ظهور إتجاه جديد يضع نصب أعيننا الضرر المستقبل ويتجلى ذلك من خلال ما ذهب إليه الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط [41] والذي جاء فيه:”وحيث أنه من الثابت في محضر المعاينة وكذا تقرير الخبرة وبعد إضطلاع المحكمة على ما تضمنه محضر اللجنة الإدارية للتقييم ورعيا منها للمصلحة العامة، وأخذا بعين الإعتبار موقع العقار الذي ولئن كان يوجد في منطقة فلاحية أي أنه يتوفر على خصوصيات سياحية بدليل وجود مجموعة من المنشآت على طول الشريط الساحلي من مرافق للإصطياف ومقاهي ونظرا لما تعرفه هذه المنطقة من إقبال خلال فصل الصيف نظرا لتوفرها على موقع إستراتيجي يتجلى في تواجدها بين مدينتي طنجة وتطوان وذات واجهة بحرية تتميز بخصوصيات كبيرة أهمها القرب من مدينة طريفة الإسبانية، كما أنها تعرف رواجا إقتصاديا بحكم موقعها هذا فضلا على أنها تتوفر على البنية التحتية ومجهزة بشبكة الماء والكهرباء كما أن العقارات تعرف إرتفاعا لا سيما عند بداية مشروع الميناء المتوسطي…
وحيث من جهة أخرى فإن ما تمثله الأرض عادة لمالكيها الأصليين من إرتباط تاريخي،وأنه لا يمكن تصور إستفادتهم المباشرة من المشروع المزمع إقامته بالمنطقة لإضطرارهم لمغادرتها بعد أن فقدوا أرضهم ومساكنهم وعملهم،كما أن التعويض المقترح من طرف اللجنة الإدارية للتقييم لا يمثل القيمة الحقيقية للضرر ذلك أن أغلبية ساكنة المنطقة سيضطرون إلى مغادرتها واللجوء إلى المناطق المجاورة التي عرفت أثمنة العقارات بها إرتفاعا ملحوظا لما للمنطقة من قيمة إستثمارية وبالتالي فإنه لا يمكن تصور جبر الضرر دون الأخذ بعين الإعتبار هذه المعطيات “.
ويكون من باب العدالة تماشيا مع ما ذهب إليه القانون الفرنسي الذي نأخذ عنه الشيء الكثير تغيير القانون المغربي في إتجاه الترخيص بالتعويض عن الضرر المستقبل متى كان محققا.
ثانيا:وجوب كون الضرر ماديا وناتجا مباشرة عن نزع الملكية
بالإضافة إلى وجوب الضرر الذي يمكن التعويض عنه كونه حالا ومحققا يشترط أن يكون هذا الضررأيضا ماديا وناتجا مباشرة عن نزع الملكية.
1:التعويض عن الضرر المباشر.
الضرر المباشر في قانون نزع الملكية هو الضرر الذي سببه قرار نزع الملكية، وتأثر به المنزوع ملكيته نتيجة له[42].
ويقصد به أيضا أن يشكل الضرر نتيجة مباشرة لنزع الملكية ،بحيث توجد علاقة سببية بين الفعل الذي هو نزع الملكية والنتيجة التي هي الضرر، ولتحقيق ذلك يكفي أن يكون الفعل هو الذي لعب الدور الحاسم في ميلاد الضرر، ولو تزامن مع أفعال أخرى كان لها دورا ثانويا فقط في إزدياد حدة الضرر إذا ثبت بالتأكيد أنه لو لم يكن وجود نزع الملكية ما كان للضرر أن يوجد بالمرة[43].
ويكون الضرر غير مباشرا إذا لم يكن ناتجا أساسا عن نزع الملكية بحيث تسببت في حدوثه واقعة أو وقائع لم يكن نزع الملكية إلا فرصة لإظهار الضرر أو للزيادة في حدته[44].غير أنه قد يصعب في بعض الأحيان التمييز بين الضرر المباشر والضرر غير المباشر ،فقد إعتبر الإجتهاد القضائي المغربي من قبيل الضرر المباشر الذي يستوجب التعويض الفقدان الجبري للملك مصرحا” أن ما لحق المدعى عليها من ضرر نتيجة فقدانها الجبري لملكها كان السبب الوحيد فيه هو نزع الملكية إذ لو لم يكن وجود لمسطرة نزع الملكية ما كان للضرر أن يحصل[45].
أما بالنسبة للإجتهاد القضائي الفرنسي فيعد أكثر مرونة،إذ إعتبر من جملة الأضرار المباشرة التي تستتبع التعويض ما ينتج عن ضياع المداخيل لمنزوع الملكية كإلتزام أحد الأفراد بإيواء سيارة بمستودع للسيارات بمقابل بعدما تم نزع ملكية المبنى الذي كان يأوي سيارته دون مقابل[46].
2:التعويض عن الضرر المادي
من الملاحظ أن القانون الفرنسي إشترط في الضرر أن يكون ماديا بعكس القانون المغربي الذي لم يشترط أن يكون الضرر ماديا[47]، لذا ينبغي التساؤل عن إمكانية التعويض عن الضرر المعنوي.
تجدر الإشارة أولا إلى أن القانون المدني يجيز التعويض عن كل من الضر المادي والمعنوي، من خلال الفصل77 من قانون الإلتزمات والعقود الذي ينص على أن :” كل فعل إرتكبه الإنسان عن بينة وإختيار ومن غير أن يسمح له به القانون فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير إلتزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر إذا ثبت أن ذلك الفعل السبب المباشر في حصول الضرر”.
فمن حيث المبدأ يمكن القول أنه يجوز التعويض عن الضرر المعنوي الناتج عن نزع الملكية، فالشخص الذي عاش مدة طويلة صغرا وكبرا وصيفا وشتاء في منزل إرتبطت به ذكرياته وأهوائه ،فإذا به يجد نفسه فجأة خارج ذلك المنزل فلا شك أن ضرر سيصيبه[48].
لكن وبالرغم من أن المشرع المغربي لم يشترط بشكل صريح منع التعويض عن الضرر المعنوي إلا أنه قد أقر ذلك بشكل ضمني،إذ نجد الفقرة الثانية من الفصل20 من قانون نزع الملكية تنص على أنه يحدد قدر التعويض حسب القيمة الفعلية للعقار يوم صدور قرار نزع الملكية ،فلما كان المشرع قد ذكر قيمة العقار يكون في الحقيقة قد إستبعد التعويض عن الضرر المعنوي.
كما أن ما يثيره هذا النوع من الضرر من صعوبات أثناء تقديره جعل القضاء المغربي يوجد بعيدا عن إقرار التعويض عن هذا الضرر في موضوع نزع الملكية،خاصة في المرحلة الحالية ويدرك المتضررون هذه الصعوبة مما يجعلهم يكتفون بالمطالبة بالتعويض فقط عن جميع الضرر المادي[49].
وإذا كان المشرع الفرنسي قد إشترط بشكل صريح أن يكون الضرر ماديا حتى يكون قابلا للتعويض، فإن القضاء الفرنسي ذهب في نفس الإتجاه،وإنتهى إلى عدم التعويض عن الأضرار المعنوية في مجال نزع الملكية،وهكذا رفض التعويض عن الضرر الذي إدعى شخص أنه قد أصابه من جراء كونه ظل مستقرا بالعقار المنزوعة ملكيته لمدة خمسين سنة[50]،وإن كان القضاء الفرنسي يستعمل في بعض الحالات وسائل ملتوية لإصلاح والتعويض عن الضرر المعنوي وذلك بمنح المتضرر تعويضات إضافية أو تبعية.
أما القضاء المصري فقد وقف من هذا الموضوع موقف الرفض، حيث أصدرت محكمة الإسكندرية الإبتدائية في حكم جاء فيه[51]:” إن المادة العاشرة من قانون نزع الملكية للمنافع العامة تقصر حق المنزوع ملكيته على ثمن العقار المنزوع ، فليس له إذن أن يطلب الحكم بتعويضات أدبية أو تداركية لأن هذا لا يجيزه الشارع،والحكمة في ذلك أن إتساع المجال أمام المالك لطلب تعويضات من هذا القبيل يثقل كاهل خزائن البلديات وغيرها من المصالح ذات الشأن ويقف حجر عثرة في سبيل تجميل المدن وإقامة الميادين والمتاحف وغيرها من المنافع العامة مما يتطلبه تقدم العمران”.
وكخلاصة أنه إذا توافرت الشروط الثلاثة في الضرر التي نص عليها المشرع وهي كونه حالا ومحققا وناتجا مباشرة عن نزع الملكية،وجب التعويض عنه ،فماذا عن كون الحق موجودا بصفة قانونية،ففي هذا الصدد هناك من يرى بأن الضرر القابل للتعويض هو ذلك الذي يكون مرتبطا بحق معترف به قانونا ويمكن الإحتجاج به أمام الكافة، وهناك من يرى بأن التعويض يجب أن يشمل أيضا الضرر الذي لم يكتسب الصفة القانونية، كما أقرت بذلك محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 2 أبريل1965 منح تعويض في حالة تقادم مخالفة البناء بدون رخصة.
الفقرة الثانية: مميزات التعويض
يتسم التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة بمجموعة من الخصائص بحيث يجب أن يكون عادلا،كما أن دفعه يجب أن يكون مسبقا أي قبل إخلاء منزوع الملكية لعقاره، بالإضافة إلى أن التعويض عن نزع الملكية يحدد بمقابل نقدي ما لم يقرر المشرع خلاف ذلك.
اولا:عدالة التعويض
لكي يكون التعويض الممنوح من طرف نازع الملكية عادلا يجب عليه جبر الضرر الناجم عن فقدان الملكية ،وخلافا لنظيره الفرنسي وكذا المشرع المصري الذي أكد قانونه على ضرورة عدالة التعويض في حالة نزع الملكية للمنفعة العامة، إد نصت المادة415 من القانون المدني المصري على أنه لا يجوز أن يحرم أحد من ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون وبالطريقة التي يرسمها، ويكون ذلك في مقابل تعويض عادل[52]، لم ينص المشرع المغربي على عدالة التعويض الواجب دفعه لمنزوعي الملكية، غير أنه إشترط أن يكون التعويض شاملا لجميع الأضرار الناجمة،ذلك لأن العدل صفة وشرط لازم للتعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة[53].
فمن المبادئ الدستورية المتفق عليها مبدأ مساواة الأفراد أمام التكاليف العامة، وهو مبدأ أخدت به الدساتير المغربية المتعاقبة،فقد نص الفصل39 من دستور2011 على ما يلي:” على الجميع أن يتحمل كل قدر إستطاعته التكاليف العمومية التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور.
نتيجة لهذا المبدأ لا يجوز أن تقع أعباء المنفعة العامة على البعض بينما تعود الفائدة على الجميع أو البعض الأخر وهو ما ينطبق على نزع الملكية التي لا يجوز أن تستعمل كوسيلة لإثراء منزوع الملكية على حساب الأموال العامة[54]، لذلك فإذا ما قامت إدارة ما بنزع ملكية ما، فلا أقل من تعويض عادل مقابل الحرمان من ذالك الملك .
أما القضاء الإداري المغربي، فإنه وعند تقديره للتعويض يأخذ بعين الإعتبار المصلحة العامة، وكذا ضعف الموارد المالية لنازع الملكية تم تضرر المنزوعة ملكيته لتحديد تعويض له من دون ربح ولا خسارة،ومن ذلك نورد حكم صادر عن المحكمة الإدارية بوجدة[55] إذ جاء فيه:”حيث أن التعويض المقترح من طرف الجهة المدعية الناتج عن عمل اللجنة الجهوية للتقييم كان محل إعتراض عليه من طرف المنزوعة منه الملكية….وحيث أن المحكمة إستنادا إلى سلطتها التقديرية وما درج عليه عملها في مثل نازلة الحال تحدد قيمة المتر المربع الواحد المستحقة للمدعى عليه في مبلغ(200) درهم ليكون مقدار التعويض هو حاصل ضرب المبلغ المذكور في المساحة المنزوعة ملكيتها :200درهمx 2958=591.600 درهم، وفي حكم أخر لنفس المحكمة أكد على ضرورة الموازنة في التعويض حتى يكون عادلا إذ جاء فيه “وحيث أن التعويض عن نزع الملكية يتم وفق مقتضيات الفصل 20…ومراعاة المحكمة لعنصر المنفعة العامة وموازنة بينها وبين المصلحة الخاصة للمنزوعة ملكيتهم ولذوي الحقوق وبما لها من سلطة تقديرية[56]….”
وكما هو واضح من خلال هذا الحكم فإن القاضي الإداري يحاول أن يوافق بين مصلحة نازع الملكية وتضرر المنزوع ملكيته لوضع وتقدير تعويض عادل.
ثانيا: تسبيق التعويض
إلى جانب ضرورة عدالة التعويض المقدر في إطار نزع الملكية ،هناك خاصية أخرى يتمتع بها هذا الأخير وهي ضرورة تسبيقه ،وخاصية تسبيق التعويض لا تعني فقط بأن هذا الأخير يجب أن يؤدى قبل نقل الملكية وإنما أيضا قبل أخذ الحيازة من طرف الإدارة،فالحيازة لا يمكن أن تتم دون تسبيق التعويض.
فالفقرة الثانية من الفصل18 من قانون 81/7 تنص على أنه:” يودع نازع الملكية كذلك لدى المحكمة المذكورة التي تبث في الأمر هذه المرة في شكل محكمة المستعجلات طلبا لأجل الحكم له بحيازة العقار مقابل إيداع أو دفع التعويض المقترح”.
وهو نفس الأمر الذي تم تأكيده من خلال الفصل27 من نفس القانون غيرأن ضمانة تسبيق التعويض تفقد في بعض الأحيان خصوصيتها ويعود السبب في ذلك إلى كثرة حالات الإعتداء المادي التي ينعدم فيها هذا المبدأ.
والقضاء الإداري يتولى مراقبة خاصية تسبيق التعويض بصفة تلقائية دونما حاجة إلى إثارة أي خرق بشأنها من ذوي المصلحة، إذ يراقب ضرورة تضمين طلبات الإذن بالحيازة التعويض الإحتياطي المقترح وتحديده وهو التعويض الذي ينبغي إيداعه بصندوق الإيداع والتدبير أو دفعه للمنزوعة ملكيته[57].
أما بالنسبة لفرنسا، فإصدار الأمر بنزع الملكية وتحديد مبلغ التعويض المستحق لمن نزعت ملكيته لا يعني بتاتا نقل الملكية إلى الجهة التي طالبت بنزعها بل يبقى ذلك مشروطا بسداد التعويض المقدر مسبقا،باعتبار أن المبادئ الدستورية لا تجيز نزع الملكية قبل سداد التعويض مقدما[58].
هذا وقد بقي أن نشير إلى خاصية أخرى للتعويض إضافة إلى الخاصيتين السابقتين وهي أن يكون نقدا،فبالرغم من بعض المرونة التي تعرفها هذه القاعدة وبعض الإستثناءات التي تتخللها،كحالة الفصل22 من قانون نزع الملكية الذي ينص على أنه إذا كان يشغل العقارات المنزوعة ملكيتها مكترون بصفة قانونية مصرح بهم على إثر البحث الإداري المنصوص عليه في الفصل10 أو مقيدون بصفة قانونية في السجلات العقارية،فإن نازع الملكية يتحمل منح التعويضات الواجبة لهم أو عند الإقتضاء تمكينهم من عقار أخر إذا كان من الممكن”
إلا أن التعويض عن نزع الملكية يجب أن يكون نقدا دون أن يكون عينا أو بمقابل عيني، وذلك لكونه ضمانة لصالح المنزوعة ملكيته لإستعماله حسب رغباته.
خاتمة:
من خلال ماسلف ما تلعبه الخبرة من اهمية في تقدير التعويض عن نزع الملكية إذ يلجأ القاضي الإداري إليها في غالب الأحيان، لذلك فإن ضرورة إعادة النظر في الخبراء المعينين من طرف القضاء، وتكوين خبراء مختصين في ميدان العقار لتنوير القضاء بالجوانب التقنية لكل نازلة أصبحت ملحة، فالتعويض عن نزع الملكية يجب أن يكون عادلا لا بالنسبة للسلطة نازعة الملكية أو المنزوعة ملكيته، وبالتالي يجب أن يكون التعويض بقدر الضرر، فلا يجب الإضرار بأي من المصلحتين “المصلحة الخاصة والمصلحة العامة”.
لائحة المراجع
[1] محمد الكشبور:نزع الملكية لأجل المنفعة العامة”قراءة في النصوص وفي مواقف القضاء” مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الثانية2007،ص198.
[2] البشير باجي:”شرح قانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة في ضوء القانون المغربي والقضاء والفقه والتطبيق”،مكتبة الأمنية، الطبعة الأولى، ص267.
[3]محمد الكشبور:مرجع سابق ص 154.
[4]الفصل 48 من قانون81/7 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة
[5] لقد تضمن القانون المصري رقم10 لسنة 1990 تشكيل اللجنة المختصة بتقدير التعويض في حالة نزع الملكية للمنفعة العامة، فنص على أنه يتم تقدير التعويض بواسطة لجنة تشكل بكل محافظة بقرار من وزير الأشغال العامة والموارد المائية،وتتكون من مندوب ومديرية الإسكان والمرافق ومديرية الضرائب العقارية بالمحافظة، بحيث لا تقل درجة أي منهم عن الدرجة الأولى ويتم تغيير أعضاء هذه اللجنة كل سنتين.
[6]العربي محمد مياد:”الحق في التعويض العادل عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة”،دار الأمنية-الرباط-الطبعة الأولى،2009، ص20
[8] البشير باجي، مرجع سابق ،ص 263.
[9] المقصود بممثل نازع الملكية هو على سبيل المثال ممثل شخص معنوي عام يقوم بنزع الملكية كجماعة محلية أومؤسسة عمومية.
[10] البشير باجي،نفس المرجع ، ص 263 .
[11] بينما نص الفصل 6 من نفس المرسوم التطبيقي على أنه تتألف اللجنة الإدارية المكلفة بتقدير التعويضات المتعلقة بنزع ملكية الحقوق المائية من:
*السلطة الإدارية المحلية أو ممثلها رئيسا
*رئيس دائرة أملاك الدولة الموجود بها الحقوق المائية أو منتدبه
*ممثل وزارة التجهيز كاتبا
*ممثل المصالح الإقليمية لوزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي
[12] العربي محمد مياد، مرجع سابق-ص29.
[13] محمد الكشبور،مرجع سابق،ص 137.
[14] البشير باجي، مرجع سابق، ص 265 .
[15] حكيمة أزوتني، مرجع سابق ص 19.
[16] إحسان العلوي:نزع الملكية من أجل المنفعة العامة لفائدة الجماعات الحضرية والقروية “المرحلة القضائية”، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ،جامعة محمد الخامس السويسي ،كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية-سلا-الموسم الجامعي 2010-2011،ص54.
[17] محمد الكشبور، مرجع سابق،ص 139.
[18] العربي محمد مياد، مرجع سابق ص 30.
[19] الذي نص في فقرته الأولى على أنه:”إذا إتفق نازع الملكية والمنزوعة ملكيته على الثمن الذي حددته اللجنة بعد نشر مقرر التخلي، وعلى كيفيات تفويت العقار أو الحقوق العينية المنزوعة ملكيتها، فإن هذا الإتفاق، الذي يجب أن يبرم طبقا لمقرر التخلي يدرج في محضر أمام السلطة الإدارية المحلية التابع لها موقع العقار،إذا كان المنزوع ملكيته يقيم بالمكان المذكور.
[20] بوعبيد الترابي:”إشكالية نقل الملكية العقارية لفائدة الدولة في حالة الغصب”،المجلة المغربية للدراسات والإستشارات القانونية، مطبعة الأمنية الرباط، العدد الأول، يناير2011،ص89.
[21] محمد محجوبي:”دعوى نقل الملكية أمام المحكمة الإدارية ،دراسة تطبيقية”،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام،جامعة محمد الخامس أكدال كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية ، الرباط ، السنة الجامعية 2002-2003 ص84.
[22] محمد محجوبي،نفس المرجع ص84.
[23] دليل متعلق بمسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة،أعدته مديرية الأملاك بوزارة المالية بتاريخ12 يوليوز2000 ص23، غير منشور
[24] تلك النظائر مخصصة على التوالي:
* لمحفوظات مديرية الأملاك المخزنية.
* للمحافظة على الأملاك العقارية.
* لمصلحة التسجيل
* للخزينة العامة
[25] محمد محجوبي،مرجع سابق ،ص 85 .
[26] دليل متعلق بمسطرة نزع الملكية الأجل المنفعة العامة،مرجع سابق،ص24 .
[27] نفس المرجع،ص24.
[28] محمد محجوبي،مرجع سابق،ص 85 .
[29] قرار عدد 118 بتاريخ 20/02/2003 ملف إداري عدد1563/4/2001
[30] ظهير شريف مؤرخ في 31 غشت 1914 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة والإحتلال المؤقت،جريدة رسمية عدد28 شتنبر1914.
[31] ظهير 3 أبريل 1951 الذي كان يلزم نازع الملكية بضرورة القيام بمحاولة إقتناء العقار عن طريق المراضاة.
[32] نورة عربي،مرجع سابق،ص 75.
[33] محمد محجوبي،مرجع سابق ص 86 .
[34] حكيمة أزوتني،مرجع سابق ص 28
[35] سلوى الفاسي الفهري:”التعويض عن نزع الملكية والخبرة”، المحاكم الإدارية دعامة من دعائم دولة القانون، الندوة الأولى للقضاء، 18-19 ماي 1995،ص139.
[36] M.EL YAAGOUBI, « Droit administratif marocain »,tome ll, imprimerie Arrissala-Rabat p ;293
[37] محمد الكشبور ،مرجع سابق،ص .202
[38] أحمد أجعون: “إختصاصات المحاكم الإدارية في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة”،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام،جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والإجتماعية والإقتضادية،أكدال الرباط السنة الجامعية 1999-2000 ص 227 .
[39] البشير باجي، مرجع سابق، ص268.
[40] محمد الكشبور، مرجع سابق ص200.
41 حكم عدد 63 صادر عن المحكمة الادارية بالرباط بتاريخ 12/06/2012.
42 العربي محمد مياد، ص20.
43 رضا التايدي، مسطرة نزع الملكية بين متطلبات المصلحة العامة وضمان التعويض العادل، مقال منشور بمجلة المحاكم الادارية، عدد خاص حول القاضي الاداري بين حماية الحقوق والحريات وتحقيق المصلحة العامة، أشغال ندوة علمية منظمة بشراكة بين وزارة العدل والحريات وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، يومي 6 و7 يناير 2017 بالرباط، العدد 5 يناير 2017، ص 65.
44 محمد ازيان، خصوصيات القواعد المسطرية في مادة نزع الملكية، مقال منشور بمجلة المحاكم الادارية، عدد خاص حول القاضي الاداري بين حماية الحقوق والحريات وتحقيق المصلحة العامة، أشغال ندوة علمية منظمة بشراكة بين وزارة العدل والحريات وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، يومي 6 و7 يناير 2017 بالرباط، العدد 5 يناير 2017، ص 86.
45 قرار عدد 126 صادر عن محكمة النقض (المجلس الأعلى) في ملف إداري عدد 2003/1/4/966 بتاريخ 14/01/2002.
46 cavaillé fabienne ; l’expérience de l’expropriation ; appopriation et expropriation de léespac 1999 ; paris ADEF. P98.
47 j ferbo et a. bernard : l’expropriation et l’évaluation des biens 1992.éd du moniteur paris ; p152.
48 ابراهيم زعيم، تقدير التعويض عن الاعتداء المادي على الملكية العقارية في المغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا للجامعة في المهن القضائية والقانونية، جامعة محمد الخامس السويسي، الرباط، الموسم الجامعي 2008/2009، ص 85.
49 سيدي محمد علوي طاهري، نزع الملكية للمنفعة العامة ومظاهر حماية الملكية الخاصة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس أكدال الرباط، الموسم الجامعي 1998/1997، ص 242.
50 Andr é Homout ; l’expropriation pour une cause d’utile publique ; 1975 librairies technique paris ; p126.
51 العربي محمد مياد، نزع المكية لأجل المنفعة العامة على ضوء التشريه وأحكام الدستور (دراسة مقارنة مع بعض التشريعات العربية)، مطبعة الأمنية الرباط، دار الأفاق المغربية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2014، ص 165.
52 العربي محمد مياد: “الحق في التعويض العادل عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة”، مرجع سابق، ص 36.
53 ينص الفصل 20 من القانون رقم 7.81 على أنه” يحدد التعويض عن نزع الملكية طبق القواعد الآتية:
- يجب ألا يشمل إلا الضرر الحالي والمحقق الناشئ مباشرة عن نزع الملكية، ولا يمكن أن يمتد إلى ضرر غير محقق أو محتمل أو غير مباشر؛
- يحدد قدر التعويض حسب قيمة العقار يوم صدور قرار نزع الملكية دون أن تراعى في تحديد هذه القيمة البناءات والأغراس والتحسينات المنجزة دون موافقة نازع الملكية منذ نشر أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة المعين للأملاك المقرر نزع ملكيتها؛
- يجب ألا يتجاوز التعويض المقدر بهذه الكيفية قيمة العقار يوم نشر مقرر التخلي، أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة المعين للأملاك التي ستنزع ملكيتها، ولا تراعى في تحديد هذه القيمة عناصر الزيادات بسبب المضاربات التي تظهر منذ صدور مقرر التصريح بالمنفعة العامة، غير أنه في حالة ما إذا لم يودع نازع الملكية في ظرف أجل ستة أشهر ابتداء من نشر “مقرر التخلي” أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة المعين للعقارات التي ستنزع ملكيتها، المقال الرامي إلى الحكم بنزع الملكية وتحديد التعويضات وكذا المقال الرامي إلى طلب الأمر بالحيازة، فإن القيمة التي يجب ألا يتجاوزها تعويض نزع الملكية هي قيمة العقار يوم آخر إيداع لأحد هذه المقالات بكتابة ضبط المحكمة الإدارية.
- يغير التعويض، عند الاقتضاء، باعتبار ما يحدثه الإعلان عن الأشغال أو العملية المزمع إنجازها من فائض القيمة أو ناقصها بالنسبة لجزء العقار الذي لم تنزع ملكيته.
ويجب تحديد مقدار خاص عن كل عنصر من العناصر المشار إليها في الفقرات 2 و3 و4 أعلاه”.
54 محمد ريعي، الاشكالات المترتبة عن الحجز على الاعتمادات المالية لوزارة التجهيز والنقل واللوجستيك، مقال منشور بمجلة المحاكم الادارية، عدد خاص حول القاضي الاداري بين حماية الحقوق والحريات وتحقيق المصلحة العامة، أشغال ندوة علمية منظمة بشراكة بين وزارة العدل والحريات وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، يومي 6 و7 يناير 2017 بالرباط، العدد 5 يناير 2017، ص 223.
55 حكم عدد 22 صادر عن المحكمة الادارية بوجدة بتاريخ 12ماي 2013.
56 حكم عدد 96 صادر عن المحكمة الادارية بوجدة بتاريخ 17 أكتوبر 2015
57 ينص الفصل 24 من القانون رقم 7.81 على أنه “… وينص الأمر بالإذن في الحيازة على دفع التعويض الاحتياطي المنصوص عليه في الفصل 19 إلى ذوي الحقوق أو على إيداعه.
ويحدد في الحكم الصادر بنقل الملكية التعويض عن نزع الملكية بعد التذكير وجوبا بمبلغ التعويض الذي اقترحه نازع الملكية وينص فيه على وجوب أداء التعويض أو إيداعه.
ويباشر تبليغ أو نشر القرارين القضائيين المشار إليهما في المقطعين السابقين طبق الشروط المقررة في الفصل 26 ويودعان كذلك لدى المحافظة على الأملاك العقارية، وعندما يتعلق الأمر بعقار غير محفظ ولا في طور التحفيظ، يقيد القراران المذكوران من لدن كاتب الضبط بالمحكمة الإدارية في السجل المنصوص عليه في الفصل 455 من قانون المسطرة المدنية”
58 Mohamed Boufous ; l’expropriation pour une cause d’utile publique au maroc éd 2004 ; Edition ; Imprimerie Bouregreg ; rabat. P165.